مدخل القسط: حق الغير:العفة والحياء:

مدخل القسط: حق الغير:العفة والحياء:

النصوص: 

النص الأول:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ، أنه كان كان يقول:"اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى" صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل

النص الثاني:عن زيد بن طلحة بن ركانة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي ﷺ :"لكل دين خلق. وخلق الإسلام الحياء" موطأ مالك، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في الحياء

الشروح الأساسية:

ـ الهدى: طلب الهداية بكل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر الدنيا والآخرة من حسن الاعتقاد وصلاح الأعمال، والأقوال والأخلاق.
ـ التقى : أي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه . ـ العفاف: التنزه عما لا يباح والصيانة عن مطامع الدنيا (الزنا، السرقة …)
ـ الغنى : هو غنى النفس بأن يستغني العبد بالله عن الناس وعما في أيديهم .

المضامين:

النص الأول: إبراز الحديث الأول مدى التكامل بين العفاف والغنى في دعاء النبي ﷺ بحيث أن الغنى عن الناس من أسباب العفاف.

النص الثاني: تبيين الحديث الثاني أن خلق الحياء من أسنى الأخلاق وأشرفها في الإسلام.

الخلاصة:

المحور الأول: معنى العفة وحقيقتها:

1 ـ مفهوم العفة:

لغة:مصدر عفَّ يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفّاً وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفِيفٌ، ويقال: المرأة عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعَفَّهُ الله، واسْتَعَفَّ عن المسألة أي: عفَّ، وتَعَفَّفَ: تكلف العِفَّةَ.^[١] والعِفة الكَفُّ عما لا يَحِلُّ ويَجْمُل، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ.

واصطلاحا:العفة هي الكف عن ما لا يحل من المحارم ، وما لا يجمل من الخوارم ، وهي حصول حالة من الضبط والاستقامة في النفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة فتترفع عن كل ما لا يحل من المحرمات والفواحش والأطماع الدنية وما لا يحمد من القول والفعل

2 ـ حقيقة العفة: هي قدرة على الامتناع الاختياري عن الرضوخ والاستجابة لداعي الشهوات طلبا لرضا المعبود وكمال النفس ورفعتها وهي قدرة تتفاوت بحسب الجهد المبذول في التحرر من رق النفس والتعلق بالله تعالى.

و العفة ثمرة مجاهدة النفس وهواها: ـ العفة قدرة على تهذيب تعلق النفس بأنواع الشهوات المحبوبة لديها(المال، الأولاد، السلطة،الغرائز).
ـ العفة ثمرة لمجاهدة أهواء النفس والانتقال بها من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس المطمئنة المتعلقة بالله عز وجل ، قال تعالى :” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى” سورة النازعات: 39 ، 40.

3- أنواعها:

- عفة النفس: وتحصل بتزكيتها وتربيتها على الفضائل.

- عفة الجوارح: تسخر في طاعة الله وفق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- عفة البطن: تتحقق بالورع عن أكل الحرام

- تجلياتها:

القناعة – الكسب الحلال – صون الكرامة – الحياء – زجر النفس عن الحرام – تجنب التبرج وإظهار المفاتن – الحث على الزواج وتجنب الزنا – التحلي بالآداب والقيم...

5- فوائدها وثمراتها:

• تعتبر العفة من ثمرات الإيمان.
• بالعفة تُحفظ الجوارح عمّا حرّم الله تعالى.
• بالعفة تُحفظ الأعراض في الحياة الدّنيا، والفوز بالنعيم في الآخرة.
• تُعتبر العفة ركناً من أركان المروءة الّتي ينال بها الإنسان الحمد والشّرف.
• بوجود العفة يكون المجتمع سليماً من المفاسد والفواحش.
• انتشار العفة وإشاعتها في المجتمع تجعل من المجتمع مجتمعاً صالحاً.
• أن العفيف من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه) 
• تُعتبر العفَّة دليلاً على كمال النّفس وعزّتها.
• يكون الشخص العفيف مستريح النّفس مطمئنّ البال.

• تُعتبر العفة دليلاً على وفرة العقل، ونزاهة النّفس.

المحو ر الثاني : مفهوم الحياء وأنواعه:

1 ـ مفهوم الحياء:

معنى الحَيَاء لغةً: الحياء: الحشمة، ضد الوقاحة. وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى فهو حَيِيٌّ، وهو الانقباض والانزواء

واصطلاحا: هو انقباض النفس عن القبائح ، والفزع منها هيبة من الله تعالى ، واتقاء لمراقبته سبحانه ، وخوفا من مقته وغضبه، وهو شعور متولد من تعظيم المولى ، ومحبته ومراقبته .
2 ـ مفهوم الخجل: وهو انقباض في النفس ينتج عنه إحجام ، وخوف من مواجهة الناس سواء أكان رذيلة أم فضيلة وهو متولد عن شعور مرضي بالنقص والضعف.
3 ـ الفرق بين الحياء والخجل: الحياء انكسار وانزجار أمام الخالق وهو نابع من الإحساس برفعة وقوة وعظمة النفس، أما الخجل فقد يكون عجز وتردد وخوف أمام الناس وهو نابع عن الإحساس بالنقص أمام الغير.
4 ـ أنواع الحياء: الحياء قسمان :
أ ـ الحياء الفطري: قال تعالى:” فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان من ورق الجنة”الأعراف:22.
ب ـ الحياء المكتسب:حياء يكتسبه المسلم من خلال معرفته عظمة ربه وجلاله.

5 ـ حقيقة الحياء ومكانته في الدين الحياء :
أ ـ الحياء من الدين وخلق الإسلام: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:” لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء” موطأ الامام مالك.
ب ـ الحياء من الإيمان: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:” الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبَذاء من الجفاء، والجفاء في النار”سنن الترميذي.
ج ـ الحياء كله خير: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:” الحياء لا يأتي إلا بخير ” صحيح البخاري.
د ـ الحياء خلق الأنبياء: قال تعالى :” قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين” سورة يوسف:51.
ه ـ الحياء خلق الصحابة: خلق اشتهر به سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه شهد له بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال:” ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة” صحيح مسلم.

6- العلاقة بين العفة والحياءفي القول والعمل:

- العفة تشكل أحد الفضائل اﻷخلاقية وتعد واحدة من أمهات الفضائل اﻷربع(العفة،الشجاعة، الحكمة، العدالة، ويمثل الحياء فرعا من فروع العفة، فإن العلاقة بينهما وثيقة جدا، فكلما اشتد حياء المرء زادت عفته في القول والفعل، وللحياء دور في ثبات العفة وشدتها. والحياء جالب للخير والعفة تأكيد له.

- العفة والحياء خلقان متلازمان، بينهما تكامل وانسجام،إذ بهما يرتقي المؤمن إلى مراتب الاحسان في القول والعمل ، فلا حياء بدون عفة، ولا عفة بدون حياء ، ومن رحمة الله تعالى بخلقه أن جعل الحياء صفة مبثوثة في النفوس يحصل بها الخوف من المخالفة.

القيم المستفادة من الدرس:

- اتخلق بخلق الحياء في القول والعمل والسر والعلن إقتداء بالرسل والأنبياء عليهم السلام.

- أقسط في حقوق الله، فلا أقترب المحرمات والفواحش.

- ألتزم العفة والحياء مع خالقي ونفسي ومجتمعي.

- أدرك أهمية العفة والحياء في تحصين حقوق الفرد والمجتمع.